الذكاء الاصطناعي (AI) يعتبر واحدة من أهم الكلمات الرنانة في مجال التكنولوجيا اليوم. حيث شهدت السنوات القليلة الماضية تطور كبير في هذا المجال، وتحول العديد من الابتكارات التي كانت سابقًا في عالم الخيال العلمي إلى حقيقة.
كما يعتبره الخبراء عاملاً من عوامل الإنتاج، ولديه القدرة على إدخال مصادر جديدة للنمو. ودعمًا لذلك ما ذُكر في تقرير PWC أن 45٪ من إجمالي المكاسب الاقتصادية بحلول عام 2030 ستأتي من تحسينات المنتجات، مما يحفز طلب المستهلكين. ويرجع ذلك إلى أن الذكاء الاصطناعي سيقود تنوعًا أكبر في المنتجات، مع تعزيز التخصيص والجاذبية وتحسين التكاليف على المدى الطويل.
وتتنبأ PWC بإمكانية مساهمة الذكاء الاصطناعي بما يصل إلى 15.7 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي في عام 2030. ومن المرجح أن يكون 6.6 تريليون دولار من زيادة الإنتاجية، و9.1 تريليون دولار من الآثار الجانبية للاستهلاك.
لذلك دعنا في هذه المقالة نلقي نظرة عامة على الذكاء الاصطناعي، ومجالاته والمخاوف المرتبطة به.
في البداية يمكننا القول ببساطة أن الذكاء الاصطناعي عبارة عن مجموعة من التقنيات التي تًمكن أجهزة الكمبيوتر من أداء مجموعة متنوعة من الوظائف المتقدمة تفكر بذكاء مثل عقل البشر. بما في ذلك القدرة على رؤية وفهم وترجمة اللغة المنطوقة والمكتوبة، وتحليل البيانات ودعم القرارات وتقديم التوصيات وغيرها.
ويجدر الذكر هنا روبوت المحادثة المطور ChatGPT من شركة OpenAI الذي أنطلق في آواخر 2022. وأثار منذ إطلاقه ضجة في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يعتبر ابتكار جديد لديه القدرة على الإجابة على الأسئلة الموجهة له. وكتابة الاكواد البرمجية وتصحيحها، وكتابة مقالات وغيرها بطريقة مقاربة للعقل البشري.
تعريف الذكاء الاصطناعي
عرف Google الذكاء الاصطناعي بأنه مجال علمي يهتم ببناء أجهزة الكمبيوتر والآلات. والتي يمكنها التفكير والتعلم والتصرف بطريقة تتطلب عادةً ذكاءً بشريًا، أو تتضمن بيانات يتجاوز نطاقها ما يمكن للبشر تحليله.
Artificial intelligence (AI) is a set of technologies that enable computers to perform a variety of advanced functions, including the ability to see, understand and translate spoken and written language, analyze data, make recommendations, and more
كما عرفه Gartner على أنه تطبيق التحليل المتقدم والتقنيات القائمة على المنطق. بما في ذلك التعلم الآلي (ML) لتفسير الأحداث، ودعم القرارات وأتمتتها واتخاذ الإجراءات.
Artificial intelligence (AI) is is the application of advanced analysis and logic-based techniques, including machine learning (ML), to interpret events, support and automate decisions and to take actions
ويوجد تعريفات أخرى للذكاء الاصطناعي. لكن لا يوجد وصف واحد متفق عليه عالميًا للذكاء الاصطناعي. وذلك نظرًا لوجود مجموعة واسعة من الطرق التي يمكن للذكاء الاصطناعي من خلالها دعم الأنشطة البشرية وزيادتها وأتمتتها.
ولكن دعنا نتفق على أن الذكاء الاصطناعي هو مجال واسع يهتم بتطوير أنظمة تتمتع بالقدرة على محاكاة وتقليد الذكاء البشري حتى تكون قادرة على اتخاذ قرارات ذكية وتنفيذ مهام تتطلب تفكيرًا وتحليلاً ذكيًا.
ولتحقيق ذلك يعتمد الذكاء الاصطناعي على تقنيات وأدوات متنوعة مثل: الخوارزميات، وتعلم الآلة، والتعرف على الأنماط، ومنطق المعرفة والشبكات العصبية الاصطناعية، والتحليل الإحصائي، والتعامل مع اللغة الطبيعية، والروبوتات والكثير من التقنيات الأخرى.
مراحل تطورالذكاء الاصطناعي
والآن دعنا نلقي نظرة على مراحل تطور الذكاء الاصطناعي، وإلى أي مرحلة يسعى العلماء إلى تطويره. تم تصنيف مراحل التطوير إلى أربع مراحل:
- الآلات التفاعلية (Reactive machines): ذكاء اصطناعي محدود، يتفاعل فقط مع أنواع مختلفة من المدخلات بناءً على قواعد مبرمجة مسبقًا. لا يستخدم الذاكرة، وبالتالي لا يمكنه التعلم من البيانات الجديدة. ومن أمثلته Deep Blue من IBM الذي تغلب على بطل الشطرنج غاري كاسباروف في عام 1997.
- ذاكرة محدودة (Limited memory): تعتبر معظم أنظمة الذكاء الاصطناعي الحديثة الموجودة في وقتنا الحالي تنتمي لهذا التصنيف. حيث تجمع هذه الأجهزة البيانات السابقة. وتواصل إضافتها إلى ذاكرتها لتتحسن بمرور الوقت. من خلال التدريب على البيانات الجديدة. حتى تكون قادرة على اتخاذ بعض القرارات المناسبة، ولكن ذاكرتها ضئيلة.
- نظرية العقل (Theory of mind): لا وجود لهذا التصنيف حاليًا لكن البحث مستمر. يستطيع هذا النوع محاكاة العقل البشري. لديه قدرة لاتخاذ القرارات مشابه لحد كبير للإنسان. بما في ذلك التعرف على العواطف وتذكرها والتفاعل معها في المواقف الاجتماعية كما يفعل الإنسان.
- الوعي الذاتي (Self-aware): في هذه المرحلة سيكون الذكاء الاصطناعي قادر على انتاج آلة أسطورية. تدرك وجودها وتمتلك القدرات الفكرية والعاطفية للإنسان.
كما توضح الصورة أدناه تصنيف مراحل تطوير الذكاء الاصطناعي بشكل عام بناء على ما يمكن أن يفعله.
مجالات الذكاء الاصطناعي
لقد شجع التطور في الذكاء الاصطناعي إلى استخدامه في جميع المجالات تقريبًا. و منها السيارات ذاتية القيادة والتشخيص الطبي والمنتجات الاستهلاكية وغيرها الكثير.
يمكن للشركات الآن استخدام الذكاء الاصطناعي لتسويق المنتج بشكل أكثر فعالية، من خلال تحليل أنشطة العملاء عبر الإنترنت للتنبؤ بالأشخاص المناسبين واستهدافهم لزيادة فرص المبيعات، كما تفعل Netflix و Spotify و Amazon باستخدام الذكاء الاصطناعي، لفهم أنشطة العملاء والتنبؤ بالمنتجات الموصي بها.
كما يستخدم الذكاء الاصطناعي في تقديم المشورة وإعداد التقارير الآلية دون إشراف البشر، بالإضافة إلى إجراء تحليل للمشاعر لفهم تصور علامتها التجارية. استنادًا إلى التعليقات عبر الإنترنت والتغريدات وما إلى ذلك.
وقد كان له دور أيضاً في إعداد الطعام وهذا ما يفعله الطباخ آلي Chef Watson من شركة IBM . حيث يقدم المساعدة للطهاة وتطوير الوصفات من خلال اقتراح تركيبات مبتكرة للنكهات.
وما زالت تستثمر العديد من الشركات في الذكاء الاصطناعي لتحسين منتجاتها وخدماتها. وتضع الحكومات الأموال في أبحاث الذكاء الاصطناعي لتطوير أدوات جديدة.
لكن بالرغم من تأثير ثورة الذكاء الاصطناعي الايجابي، إلى أنه ماتزال هناك الكثير من المخاوف تدفع الخبراء إلى التحذير من التقدم السريع للذكاء الاصطناعي .كما دعا رائد الذكاء الاصطناعي جيفري هينتون للتوقف عن التطوير لدارسة ما إذا بإمكاننا التحكم في الذكاء الاصطناعي أم لا.
مخاوف ثورة الذاء الاصطناعي
الوظائف البشرية: أحد أكبر المخاوف المرتبطة بالذكاء الاصطناعي هو تأثيره على الوظائف حيث من المتوقع أن يتم أتمتت العديد من المهام الروتينية والمتكررة، وقد يؤدي ذلك إلى القضاء على كثير من الوظائف، وظهور وظائف جديدة قد تسبب فجوة كبيرة في سوق العمل لبعض الوقت، مما قد يؤدي إلى عدم الاستقرار الاقتصادي.
التحكم في الذكاء الاصطناعي: تثير القدرة المتزايدة للذكاء الاصطناعي على تحليل كمية كبيرة من البيانات وقدرتها على تولد الكواد مخاوف بشأن تطوير سلوكيات غير متوقعة ومدى التحكم بتلك السلوكيات وما قد ينتج من نتائج غير مرغوب فيها مما يؤدي ذلك إلى فقدان الثقة في الذكاء الاصطناعي.
وفقا لرائد الذكاء الاصطناعي لجيفري هينتون فقد تجاوز تطور الذكاء الاصطناعي توقعات العلماء مما يزيد من مخاوف أن يصبح أكثر ذكاء من البشر و تتجاوز الآلة صانعها.
القضايا الأخلاقية والقانونية: هناك مخاوف حول مدى قدرة الذكاء الاصطناعي على اتخاذ قرارات صحيحة في المسائل الأخلاقية والقانونية وضمان توافقها مع المعايير الأخلاقية.
بالإضافة إلى وجود مخاوف حول مدى قدرة الذكاء الاصطناعي على اتجاذ قرارات صحيحة في القضايا الأخلاقية والقانونية وضمان توافقها مع المعايير الأخلاقية.
المعلومات المضللة: حذر جيفري هينتون من قدرة الذكاء الاصطناعي على توليد معلومات مضللة مرتبطة يكون من المستحيل تقريبا معرفة ما إذا كانت هذا المعلومات صحيحة أم خاطئة مما يشكك في مصداقية الذكاء الاصطناعي.
الخصوصية والأمان: مع تزايد جمع استخدام البيانات، تزداد المخاوف من استغلال هذه البيانات وانتهاك خصوصية المستخدمين وتعريض معلوماتهم الشخصية للخطر.
الاعتمادية الكاملة: رغم التأثيرات الإيجابية للذكاء الاصطناعي على التفكير الإبداعي وفتحه الباب أمام إبداعات جديدة في مجالات مختلفة مثل التصميم، والفن، والأدب إلا أن هناك مخاوف من الاعتماد المفرط عليه الذي سيؤدي إلى تقليل القدرة على التحليل النقدي والابداعي. على سبيل المثال في مجال الإعلام، قد يؤدي الاعتماد على الخوارزميات في اختيار وتصنيف الأخبار إلى تضييق آفاق التنوع الفكري والتفكير النقدي.
العزلة الاجتماعية: قد يؤدي تطور الذكاء الاصطناعي إلى تقليل التفاعل البشري، وبتالي انخفاض المهارات الاجتماعية والعلاقات الشخصية.
في الختام، دعنا نقول برغم من أن ثورة الذكاء الاصطناعي لا تزال في مراحلها الأولى، إلا أن لديها القدرة على تغيير العالم بطرق عدة وإلى حد كبير، ومن المتوقع أن يؤثر الذكاء الاصطناعي على حياتنا بشكل لا يمكننا تخيله اليوم.
لذلك يجب عليا أن نفهم الذكاء الاصطناعي جيدًا، ونواجه مخاوفه بشكل جاد حتى نعمل على تشكيل مستقبله بشكل آمن ومسؤول.
